مصر تعلن الحرب على الإلحاد - من التحريض إلى التشريع

 

مصر تعلن الحرب على الإلحاد - من التحريض إلى التشريع


 

Available in English

منذ ما يقارب العقد من الزمن، شهدت مصر تصاعدًا ملحوظًا في الخطاب الرسمي والإعلامي والديني المناهض للإلحاد، حتى أصبحت محاربة "الملحدين" جزءًا معلنًا من السياسة الثقافية والدينية للدولة. في هذا المقال نرصد أبرز المحطات التي أعلنت فيها مؤسسات الدولة أو شخصياتها العامة موقفًا معاديًا للملحدين، إلى جانب حالات الإهانة والطرد التي تعرّض لها ملحدون على شاشات التلفزيون، والإطار القانوني الذي يجرّم حرية المعتقد اللاديني، كما نسلط الضوء على التقارير الحقوقية الدولية.

🔹 البدايات: إعلان الحرب رسميًا (2014)

في يوليو 2014، أعلنت الحكومة المصرية رسميًا "الحرب على الإلحاد"، ضمن حملة قادتها وزارات الأوقاف، الشباب، والتعليم، بالتعاون مع الأزهر والكنيسة، في محاولة لوقف ما وصفته بانتشار “ظاهرة الإلحاد بين الشباب”. المصدر: الشروق – الحكومة تعلن الحرب على الإلحاد (11 يوليو 2014)

https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=11072014&id=36dda517-a293-4505-8e3c-25baf7570607

بعدها بشهرين، صرّح أحمد المسلماني، مستشار الإعلام برئاسة الجمهورية آنذاك، بأن “الإرهاب والإلحاد وجهان لعملة واحدة”، في خطاب ربط فيه بين حرية التفكير والجريمة الدينية. 

المصدر: صدى البلد – الإرهاب والإلحاد وجهان لعملة واحدة (30 سبتمبر 2014) https://www.elbalad.news/1173793

🔹 نحو تجريم الإلحاد: من البرلمان إلى القانون (2017–2018)

مع مرور الوقت، لم يظل الخطاب مجرد تصريحات دينية أو إعلامية، بل بدأ يتحول إلى دعوات تشريعية واضحة. في ديسمبر 2017، قال النائب عمر حمروش، أمين اللجنة الدينية بالبرلمان وأستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، إن “الملحد لا يقل خطراً عن الإرهابي”، داعيًا إلى تجريم الإلحاد قانونيًا.

المصدر: الجريدة – الملحد لا يقل خطراً عن الإرهابي (28 ديسمبر 2017) https://www.aljarida.com/articles/1514396509963263100

وبعد أيام فقط، أعلن حمروش أن البرلمان يعمل على إعداد قانون لمواجهة الإلحاد بعقوبات “رادعة”.

المصدر: برلماني – عقوبة قانون الإلحاد رادعة (4 يناير 2018) 

https://www.parlmany.com/News/4/209757/%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A9-%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%B1%D8%A7%D8%AF%D8%B9%D8%A9-%D9%88%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%89ثم تبع ذلك تصريح وزير الأوقاف محمد مختار جمعة في يناير 2018 أمام البرلمان، بأن “أفكار الملحدين والشواذ قنابل موقوتة”، مؤكداً أن الوزارة تعمل على “تحصين المجتمع ضدها”.

المصدر: أخبار اليوم – أفكار الملحدين والشواذ قنابل موقوتة (15 يناير 2018)  https://akhbarelyom.com/news/newdetails/2605043/1/

🔹 تجدد الخطاب الرسمي: الإلحاد كعدو للدولة (2022)

في ديسمبر 2022، كرر مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية أسامة الأزهري الخطاب ذاته تقريبًا، قائلاً إن “الإرهاب والإلحاد وجهان لعملة واحدة”، ما يعكس استمرار النظرة الأمنية والعقائدية الموحدة تجاه غير المؤمنين.

المصدر: اليوم السابع – الإرهاب والإلحاد وجهان لعملة واحدة (25 ديسمبر 2022) https://www.youm7.com/story/2022/12/25/6022441

🔹 من الخطاب إلى التنفيذ: برامج حكومية ضد الإلحاد (2025)

لم يتوقف الخطاب الرسمي عند حدود التحذير أو الدعوة للتجريم، بل تحول إلى برامج حكومية تنفيذية تستهدف فئة الشباب بشكل مباشر. في يناير 2025، أعلنت وزارة الشباب والرياضة عن إطلاق برنامج وطني بعنوان "شباب ضد الإلحاد" بالتعاون مع الأزهر والكنيسة المصرية، لمواجهة ما أسمته بـ“الإلحاد الإلكتروني”.

المصدر: وزارة الشباب والرياضة – الاستعداد لإطلاق برنامج مواجهة الإلحاد الإلكتروني (14 يناير 2025)  https://www.emys.gov.eg/news/184/


وفي مايو 2025، تم تدشين البرنامج فعليًا في مركز الابتكار الشبابي بالجزيرة، بحضور قيادات من الوزارة والأزهر.

المصدر: وزارة الشباب والرياضة – تدشين برنامج مواجهة الإلحاد الإلكتروني (12 مايو 2025)  https://www.emys.gov.eg/news/17403/


وفي سبتمبر 2025، اختارت وزارة الأوقاف عنوان خطبة الجمعة الرسمية: “اليقين وخطط مواجهة الإلحاد”، ضمن توجيه موحد لأئمة المساجد في أنحاء البلاد.

المصدر: اليوم السابع – اليقين وخطط مواجهة الإلحاد (26 سبتمبر 2025)  https://www.youm7.com/story/2025/9/26/7134396

📺 الإعلام كسلاح — طرد وإهانة الملحدين على الهواء

لم يقتصر الاستهداف على الخطاب الرسمي، بل امتد إلى الإعلام المرئي الذي شارك في حملات التشهير والطرد العلني للملحدين من البرامج التلفزيونية. أمثلة مختارة:

⚖️ الإطار القانوني لتجريم الإلحاد في مصر

لا يوجد نص قانوني يجرّم الإلحاد صراحة، لكن عددًا من المواد في قانون العقوبات تُستخدم عمليًا لملاحقة غير المؤمنين والمفكرين المستقلين:


  • المادة 98(و): "ازدراء الأديان".

  • المواد 160، 161، 176: "الجنح ضد الأديان ومكافحة التمييز".

  • المادة 189: "مسؤولية النشر عبر الوسائط الإعلامية".

  • قانون 175 لسنة 2018، المادة 25: العقوبات على "الاعتداء على القيم الأسرية عبر الإنترنت".


تمنح هذه المواد أرضية قانونية واسعة لتجريم حرية الفكر والمعتقد اللاديني، دون نص صريح يذكر الإلحاد.

🧩 الإطار الحقوقي والإعلامي

وفقًا لتقرير صادر عن TIMEP في يناير 2022:

“لا تزال معاناة الملحدين وغير المؤمنين في مصر مستمرة، بالرغم من الإشارات الإيجابية من جانب المسئولين عن احترام حرية الدين أو المعتقد. يعيش الملحدون في مصر بين الملاحقة الأمنية والنبذ المجتمعي، ولم تتوقف المؤسسات الرسمية عن محاربة الإلحاد بشكل علني وصريح وبدون هوادة منذ العام 2014.”

المصدر: TIMEP – الملحدون في مصر: الحياة على حافة الموت (يناير 2022)

https://timep.org/post-arabic/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AA/

🚨 الحالات الحديثة للاعتقالات والملاحقات (2025)

أمثلة مع تواريخ وروابط موثقة:


  • 15 يوليو 2025 – اعتقلت السلطات المصرية سعيد عبد الرازق المعروف باسم “سعيد أبو مصطفى” بعد تقديمه طلبًا لتغيير خانة الديانة من مسلم إلى مسيحي في الأوراق الرسمية. https://copticsolidarity.salsalabs.org/freesaidabdelrazek/index.html

https://copticsolidarity.salsalabs.org/freesaidabdelrazek/index.html

🧠 خاتمة

يعكس هذا المسار الممتد لأكثر من عقد كيف تحوّل الخطاب الرسمي والإعلامي في مصر تجاه اللادينيين من التحذير الأخلاقي إلى الملاحقة القانونية والتنفيذية. وبينما تتحدث الدولة عن “حماية المجتمع من الإلحاد”، يتعرض غير المؤمنين لانتهاكات متزايدة لحقوقهم الأساسية في حرية الفكر والمعتقد، في غياب أي نقاش عام أو برلماني جاد حول الحق في عدم الإيمان.



ALBER SABER - ألبير صابر